زلزال أخلاقي يضرب مدينة الرشيدية على هامش مهرجان تافيلالت للحلاقة والتجميل

Publié le par ErrachidiaNews

زلزال أخلاقي يضرب مدينة الرشيدية 

على هامش مهرجان تافيلالت للحلاقة والتجميل

 

**عبد الحي النجاري

نظمت جمعية تافيلالت للحلاقة والتجميل يومي 19 و20 أبريل 2011 بالرشيدية تظاهرة  حرفية وثقافية همت مجال الحلاقة والتجميل هي الأولى من نوعها بالمنطقة، وذلك بحضور أطر محلية ووطنية من نفس المجال الحرفي. وقد تم تنظيم مسابقات في الحلاقة وتصفيف الشعر للذكور والإناث طوال اليومين الذين تم فيهما استعراض المهارات الفنية في الحلاقة والتصفيف والتسريحات للشباب من الجنسين. وقد كان لحضور الأطر الوطنية دور كبير في تبادل الخبرات وتوجيه الحلاقين الشباب. وتم اختتام المهرجان بتوزيع جوائز وشهادات تقديرية على الفائزين في المسابقات.

 

إلى حد الآن يبدو كل شيء جميلا، ولكن هذا الجمال يندثر اندثارا عندما نَعرض جزءا كبيرا مما وقع في يومي المهرجان على ميزان القيم المحلية بل والوطنية أيضا. وكمواطن من مواطني مدينة الرشيدية لا أعفي نفسي من التعبير عن رأيي في الحدث وأجدني ملزما بالتعليق عما وقع ولفت النظر إلى ما ظن البعض أنه  قد تم تمريره بهدوء.. وبذكاء!

 

أولى الملاحظات هي عتاب أخوي ربما يبدو شديدا أوجهه إلى رمز ديني في المنطقة صدمت جدا عندما شاهدته يقع في خطأ ليت غيره هو من وقع فيه. فقد كان من الأصوب أن يحترم منصبه الديني ولا يتورط في وضع يده على عورة فتاة من الفتيات اللواتي استُقدمن للمشاركة برؤوسهن في المهرجان. هذا الشخص هو محتسب بلدية الرشيدية!

والمشهد هو عندما شارك في افتتاح المهرجان عبر قيامه بمعية ضيوف المهرجان بالمشاركة في تقطيع شعر إحدى المشاركات أمام الجمهور الحاضر وأمام عدسات المصورين الهواة منهم والمحترفين.

إن أعظم ما أحزنني في هذا السلوك هو أننا لا نتحدث عن شخص عادي من عامة  الناس بل عن شخص يتقلد منصبا مرتبطا أشد الارتباط بالدين الإسلامي والقيم  الإسلامية والتاريخ الإسلامي وهذا يجعل الخطأ مضاعفا لأنه يحوي تناقضا مريعا بين مهمة تثبيت الدين عبر السهر على ردع حالات الغش والإصلاح بين المتخاصمين من جهة ومس شعر فتاة لا تحل له أمام الملأ -ولو بالمقص وحده- من جهة أخرى! فكيف يستقيم جمع تثبيت الدين وخدش الدين مرة واحدة؟!

لقد كان الأحرى في نظري أن يكون أقل ما يمكن للسيد المحتسب فعله هو أن يعتذر عن  المشاركة في قص شعر الفتاة كتعبير أدنى عن احترامه لمنصبه الذي ما إن يذكر حتى يذكر معه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتذكر معه الشفاء بنت عبد الله المحتسبة الأولى رضي الله عنها، ويذكر مع كل هذا دين لا يبيح مس العورات  إلا لمن له الحق في ذلك! وأظن أن الشعر يدخل ضمن عورة المرأة التي يجب  عليها شرعا سترها عن الأجانب الذين يحل لهم الزواج بها، ولا أعتقد أن الفتاة التي كانت "ضحية" الافتتاح ابنته أو محرم من محارمه.

إن أول مشهد لاح أمامي لما رأيت السيد المحتسب يمس ما لا حق له في مسه هو المداخلة التي ألقاها يوم 18 مارس الماضي بالمعهد التقني الفلاحي بمناسبة الأسبوع الوطني لحماية المستهلك عندما تحدث عن علاقة وظيفة الحسبة بالدين الإسلامي ورمزيتها الدينية ودور إمارة المؤمنين بالمغرب في حماية هذا  المكسب الإداري العظيم... وبكل صراحة فقد أحسست بتناقض مريع بين الموقفين. فهل يا ترى بقيت الصبغة الدينية مع اللباس التقليدي الذي تمت به المداخلة حتى إذا ذهب ذهبت معه؟!

صحيح أن الحسبة تابعة لوزارة الداخلية وليس لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ولكن هذا لا يجعلها مهنة علمانية تكون في المناسبات الدينية  متدينة متجلببة وفي المناسبات المدنية مائعة حيثما مالت الريح تميل!

إن ما قلته عن هذا الخطأ الفادح للسيد المحتسب لا يعتبر البتة ومن أي وده كان نفيا ولا ضربا في دوره الحساس الذي يقوم به والذي يكفي أن نقول عنه أنه يكفي الدولة  هم كثير من القضايا في المحاكم لأنه يقوم بالإصلاح بين المتخاصمين قبل تطور الشنآن إلى منازعة حقيقية لا يُعلم مصيرها وكلفتها المادية والمعنوية  والزمنية! ولك هذا في ميزان حسنات المحتسب بإذن الله تعالى، ولكن النصيحة واجبة خصوصا لأئمة المسلمين كما هو وارد في الحديث الشريف. ولم يكن النقد البناء يوما علامة كره أو ضغينة إلا لمن كان يعوزه شيء من التزكية الروحية حتى يصل إلى مقام السعادة بالنقد أكثر من سعادته بالمدح!!!

الملاحظة الثانية التي أحزنتني هي درجة الميوعة التي حصلت داخل القاعة أثناء المهرجان. ولن أتحدث عن تبرج وتزين الفتيات لمن يحرم عليهم رؤية جمالهن وزينتهن فهذا أمر أصبح يدخل ضمن ما يسمى المنكر المعروف! أي أن مجتمعا ما يكون حساسا لمظهر من مظاهر ضعف التدين ولكنه وبعد الانتشار الكثيف لحالات هذا المنكر يصبح مألوفا ولا يعود مستنكرا كما كان عندما برز في المرة الأولى، وهذا ما يسمى  إلف المعصية أو التطبيع مع المعصية! إن ما أريد الإشارة إليه هو الجرأة التي امتلكتها الفتيات اللواتي ساهمن برؤوسهن وشعورهن لإنجاح المهرجان ولم يستحين من ترك الرجال يعبثن -عفوا يعتنين- بشعورهن أمام الملأ وليس -على الأقل- داخل محل الحلاقة أو صالون التجميل!!! وعجبت كذلك للشباب الذين تبلد حس الحياء عندهم حتى أصبح طبيعيا ما كان من قبل سببا لاندلاع الحروب الدموية الطاحنة عندما كان الرجال رجالا لا "مخنثين"! ومن سمع من قبل بغزوة بني قينقاع سيعرف عما أتحدث.

إن هذا المشهد غريب عن الشعب المغربي عامة قبل أن يكون غريبا عن سكان مدينة الرشيدية المحافظة والتي رغم ما يتهدد قيمها لا تزال سمعتها الطيبة تبلغ الآفاق.

ويجب أن أقول أنني لست وحدي من لاحظ هذا الخلل الفظيع بل إن بعض الحلاقين أنفسهم  لم يرضوا ويقبلوا إهانة القيم الأصيلة لأهالي المنطقة وإن كانت تحت شعار الإبداع وشعار الجمال!!! وقد قابلت منهم من يتقن فن التصفيف والتسريحات للنساء ولكن المانع الوحيد الذي يمنعه هو حياؤه! بل إن أحدهم قال لي بأنه  لا يجرؤ حتى على تصفيف شعر أخته من أبيه وأمه رغم أنه يحل له ذلك ولا حرج  عليه، وهذه هي الشخصية الرشيدية الحقيقية التي تشرِّف وتُعلي رأس كل إنسان  رشيدي!

إن حديث النبي عليه السلام واضح كل الوضوح في هذا الموضوع عندما قال: "لأن  يضرب أحدكم بمِخْيَط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له"! وهناك حديث آخر في نفس الموضوع: "لأن يعمد أحدكم إلى مخيط فيغرزه في رأسي أحب إلي من  أن تغسل رأسي امرأة ليست مني ذات محرم"!!! والحديثان كلاهما لابأس في  إسنادهما.

فهل يتحمل الشبان المسلمون الذين يحترفون تصفيف شعور النساء أن تدق المخايط في رؤوسهم؟! 

 

الملاحظة الثالثة هي المعايير التي تبنتها اللجنة المنظمة في اختيار الفتيات المشاركات اللواتي ساهمن برؤوسهن في المهرجان. فلقد صدمت فعلا عندما وقعت عيني على فتاة يعرفها القاصي والداني في الرشيدية بعهرها ودعارتها بل وشذوذها الجنسي (السحاق) الذي تفتخر به!!! وقد تم تداول مقطع فيديو لها ولـ"صديقتها" في وضعية داعرة. فهل هذا تشريف للمهرجان ولمنظميه؟! وهل هذا تشريف لاسم "تافيلالت" الذي سمي به المهرجان؟! وهل هذا هو الفن والجمال؟! وهل هذا هو الإبداع؟!!!

وسأفترض أن جميع المنظمين بلا استثناء لم يكونوا يعلمون حقيقة هذه الفتاة؛ فهل من الإتقان والجودة وحسن التنظيم أن يتم اختيار الفتيات بكل فوضى وعشوائية وبشكل لا يراعي أدنى معايير الذوق السليم؟؟؟! وحتى إن كان المنظمون لا يعتبرون هذا إخلالا بمقاصد المهرجان فهل من احترام الجمهور واحترام ضيوف المهرجان المحليين والوطنيين أن تُستقدم عاهرة للمشاركة فيه؟!!! أهذه هي الدرجة من الاحتفاء التي يستحقها ضيوف المهرجان؟! وأخيرا هل هذا احترام لاسم القاعة التي تمت فيها فعاليات المهرجان؟!!! إن اسم القاعة لم يتم اختياره جزافا واعتباطا، بل لتذكير كل من وطئت قدماه القاعة أنه دخل لميدان الجهاد سواء كان جهادا بالكلمة أو بالريشة أو بالقلم أو بالقطعة المسرحية أو بالأغنية النظيفة التي تخاطب العقل لا النصف الأسفل من الجسد... ترى ما درجة الحزن التي انتابت القاعة طوال يومي المهرجان؟ وما درجة الإحباط التي أحست بها عند اللحظة التي وطئت فيها تلك الفتاة -هداها الله- أرض القاعة؟؟؟!

الملاحظة الرابعة تتعلق بالتقليعات التي ينجزها المتبارون للمشاركين. وأخص بالذكر التقليعات الشاذة  للذكور. أليس من الاستلاب الحضاري والثقافي أن تكون جميع التقليعات مهما كان نوعها ونمطها وأصلها مقبولة عند لجنة التحكيم؟؟؟! ألم يكن من الأحرى باللجنة التنظيمية أن تنبه المشاركين قبل انطلاق المسابقة إلى أن التقليعات يجب أن تكون غير مستوردة؟! أم أن ثقافة منظمي المهرجان وضيوفه الكرام لم تصل بعد إلى درجة استيعاب أن التقليعة وقصة الشعر لون من ألوان الثقافة التي تعبر عن هوية الإنسان وخصوصيته؟؟؟! هل سمع منظمو المهرجان من قبل بشيء اسمه العولمة الثقافية؟؟؟ أم أنهم يجهلون دور المظهر الإنساني سواء كان لباسا أم قصة شعر في فك شفرة شخصية الإنسان وتحديد مدى اقتناعه بثقافته المحلية؟! لله درك يا ابن خلدون عندما قلت: "المغلوب مولع بتقليد الغالب".

إن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على استهتار منظمي المهرجان وعدم اهتمامهم بثقافتهم المحلية وعدم غيرتهم عليها بنسبة ليست بالهينة، مما يدل بشكل قاطع لا يدع مجالا للشك أنهم بكل بساطة غير مؤهلين البتة شكلا أو مضمونا لإقامة مهرجان ثقافي أيا كان نوعه لأن جوهر نجاح المهرجان الثقافي في جميع الأعراف الدولية العالمية إنما يرتكز على ركيزة أساسية وحيدة هي الاعتزاز بالثقافة المحلية والإحساس بالثقة وعدم الإحساس بالخجل منها وليس كما بدا في هذا المهرجان من فقدان للثقة في الذات وتقليد الآخر واتباعه حذو القذة بالقذة والانسياق وراءه بكل غباء.. حتى ولو دخل جحر ضب!

 

يقول العقلاء إن أشد وأقبح آفة يمكن أن يصاب بها العقل البشري هي آفة التناقض!.. ولو ألقينا إطلالة خفيفة على فعاليات المهرجان للاحظنا مظاهر عدة للتناقض الذي وقع فيه المنظمون وسأكتفي بمثالين اثنين:

مثال التناقض الأول هو سؤال سأضعه على منظمي المهرجان وأرجو أن أجد عندهم جوابا شافيا وهو: لماذا لم نر في المهرجان فتاة تزين وتصفف شعر ذكر من الذكور بينما أصبح -عند البعض- مقبولا أن يصفف ذكر شعر أنثى؟؟؟! الجواب ظاهر إلا لمن أبى. وهو أن مجتمعنا لايزال يستقبح أن تتفنن فتاة جميلة -عزباء غالبا- بيديها الناعمتين الحاذقتين الحنونتين بشعر شاب وبرأسه وخديه ورقبته وهو في ريعان الشباب يكاد هرمون التيستوستيرون فيه أن يتدفق من مسامه من الوفرة! ولكنها تعلم ما ستلوكه الألسن في المنطقة عن أي فتاة فتحت محل حلاقة تستقبل فيه الرجال -أقصد الذكور-!!! وأنا متيقن أن الفتاة مهما بلغت من الوقاحة فلن تجرؤ بسهولة على فعل هذا لأنها تعلم الكلفة المعنوية له إن كانت طبعا من المراعين لشيء اسمه المعنى، وإلا فإننا نرى دورا وجحورا ليست فقط لاعتناء النساء بشعور الرجال بل للاعتناء بأحد أعضائهم الحيوية.. وُعْلى عِينْك أ بْنْ عدّي!

إن وجه التناقض في هذا هو جرأة الحلاق الذكر على مس جسد الأنثى وامتناع الحَلاقة الأنثى عن مس جسد الذكر. إن حل هذا التناقض عند دعاة العلمانية والتفسخ والميوعة هو مزيد من "النضال" و"الكفاح" من أجل إقرار المساواة التامة في حدود العورة بين الجنسين وإعطاء قداسة للحريات الفردية أكثر من قداسة الأخلاق السماوية والمبادئ الراقية نفسها حتى لا يستهجن بتاتا ما هو مستهجن اليوم بسبب بقايا حياء. ولكننا نريد حلا يبني لا حلا يهدم! وحل هذه المعضلة لا يكون إلا برفع التناقض وإزالته بالحل الفطري الذي يراعي الحياء الخاص والعام معا سواء عند الرجل أو المرأة. وإذا كان مجتمعنا يعاني من مجموعة أمراض فكرية من بينها معاقبة الأنثى ومسامحة الذكر على جرائمه الجنسية قبل الزواج فإن جميع الذكور يجب أن يعلموا أن سيد الخلق عليه الصلاة والسلام كان معروفا بأنه أشد حياء من العذراء في خدرها ليلة زفافها!!! فأين أنتم يا من تحبون محمدا وتغضبون وتلعنون من رسم عنه كاريكاتورا مهينا! هذا هو خلق محمد.. فأين أنتم منه؟!

أما مثال التناقض الثاني فهو عجيب غريب.. وهو أن امرأة من المنظمين للمهرجان وهي نائبة رئيس الجمعية المنظمة، وقد لعبت دورا كبيرا في "نجاح" المهرجان امرأة متحجبة!!!

في الحقيقة لم أفهم شيئا للوهلة الأولى ولكن هذا بالضبط ما يسمى التناقض، ولو كان التناقض مفهوما لما سمي تناقضا أصلا.

تخيلوا معي خطيب مسجد ينظم مهرجانا وطنيا لتذوق الخمور، أو فتاة عفيفة ملتزمة متحجبة تنظم دورة تدريبية للعاهرات في كيفية إقناع الزبناء الأميين بوضع العازل الطبي على أعضائهم الحيوية... الحمد لله الذي لم يجعل قوانين الكون تسير وفق الأهواء البشرية وإلا لاستحال النهار ليلا والليل نهارا.

إنني متأكد مائة بالمائة أن السيدة الزوهري خديجة (اسمها مكتوب في إعلان المهرجان) لن تقبل بأن يمس أي رجل شعرة واحدة من رأسها لأنها لم تضع حجابها تقليدا أو خوفا من أي مخلوق بل طاعة لله تعالى؛ فكيف تقبل أن يمس الذكور شعور الفتيات بل وترعى هذا الفعل الشنيع وتحرص على إنجاحه؟؟؟! إن المنطق يقول بأننا ينبغي أن نحب للآخرين ما نحبه لأنفسنا؛ وما دمنا نحب لأنفسنا العفة والطهر بأن لا نسمح لأحد بإلقاء ولو نظرة واحدة على الشعر فكيف نسمح بالعكس؟ تمنيت لو أنني لم أتذكر الآية الثالثة من سورة الصف.

أريد أن أهمس في أذن السيدة الزوهري أنها قد وقعت في ما خافت منه بدون أن تشعر! فقد هربت من الذنوب والسيئات عندما رفضت أن تكشف شعرها للأجانب ولكنها من الجهة الأخرى رعت ونظمت مهرجانا ليس "للتحنزيز" في شعور النساء فحسب بل أيضا للتلاعب فيها والتفنن في مداعبتها! ويجب على السيدة الزوهري أن ترتعد خوفا لا أن تحس بالطرب لـ"نجاح" المهرجان لأن نبي الرحمة عليه السلام يقول: "من سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"!!! بمعنى أن أي سيئة يكسبها أي شاب أو فتاة في المهرجان أو بسبب المهرجان سواء في نسخته الأولى أو نسخته الألف ستكتب في صحيفتها وستراها في ميزان سيئاتها يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه!!! ومن أجل فك هذا التناقض لن أكون وقحا كأدعياء الحداثة الذين لا يفهمون الحداثة إلا في سياق الغرائز الحيوانية وأدعوها لنزع حجابها حتى يقع الانسجام بين المنظِّم والمنظَّم بل سأدعوها لاحترام حجابها الذي تعلم أن النساء في فرنسا وغيرها من الدول يخضن معارك مصيرية لوضعه على رؤوسهن دون أن يحتسب ذلك جريمة تستحق الغرامة أو الطرد من الوظيفة! أم أن ما سهل في الكسب سهل في الضياع؟؟؟!

 

لا يمكنني أن أنسى توجيه عتاب آخر لطرف من الأطراف الداعمة للمهرجان بالرشيدية وهو المجلس البلدي المحلي.

إن هذا وجه آخر من وجوه التناقض المريع الذي لاحظته. فالمجلس البلدي الآن تسيره نخبة من أبناء المدينة والمنحدرة أغلبيتها من حزب يفتخر بمرجعيته الإسلامية والذي يشهد بمصداقيته البعيد قبل القريب والعدو قبل الصديق.

ويجب أن أقول في هذا المقام بأنني أعي جيدا أن تغيير المنكر في الفقه الإسلامي له ضوابطه وقواعده التي لم توضع إلا للمصلحة الآجلة قبل العاجلة وحتى لا يقع الظلم من حيث أريدَ العدل.

لقد صوتنا على المجلس البلدي الحالي لكي يكون انعكاسا لشخصيتنا المحلية التي نعتز بها وهذا الانعكاس يجب أن يكون بأقصى نسبة ممكنة. ونحن نراعي الظروف الأحوال والإكراهات والمعيقات الموضوعية. ونؤمن بالقاعدة التي تقول: "ما ترك من الجهل شيئا من أراد أن يظهر في الوقت غير ما أظهره الله"! وأنا أدرك تماما أن هناك من المنكرات ما هو أعظم من مس شعر فتاة من طرف حلاق ذكر، ولكن السؤال الآن هو هل كانت عرقلة هذا المنكر ستتسبب في منكر أعظم منه؟؟؟ وهل تم تحديد هذا المنكر الأعظم ولو على وجه غلبة الظن لا اليقين؟؟؟ بل هل طرح هذا السؤال أصلا بين المنتخبين قبل إعطاء الدعم لمنظمي المهرجان؟؟؟ هذه الأسئلة وغيرها ما كنت لأطرحها على المجلس البلدي إلا لأنه يحمل لواء الإسلام ويعتز بحمله وتمثل أخلاقه في تسيير المدينة. وأجد نفسي مضطرا مرة أخرى للتذكير بأن من دعم منكرا ويسر له السبل فعليه ما على فاعل المنكر من الوزر لا ينقص منه شيئا!

 

 

خاتمة

إن هذه التجاوزات الأخلاقية التي طالت مهرجان تافيلالت للحلاقة والتجميل تستدعي من كل ذي غيرة على دينه وبلده وثقافته المحلية أن ينتبه ويترصد لأمثال هذه المحاولات التي وإن كانت بحسن نية فإن لها من المفاسد ما لا يشرف بحال أبناء المنطقة.

وأود أن أقول أخيرا أن المواطن الرشيدي الأصيل ليس ضد الفن ولا ضد الجمال ولا ضد الإبداع! بل هو ضد الميوعة التي تتحرر من الأخلاق التي ضبطت العلاقة بين الذكر والأنثى ولا تزال، وهو ضد التبعية البليدة والتقليد الأعمى الذي لا يأخذ إلا ما خبث لا ما صلح! وقد كان ممكنا جدا أن يكون المهرجان ناجحا بكل المقاييس لو احترمت فيه المعايير الأخلاقية المتعارف عليها بأن يخصص مثلا يوم للرجال وآخر للنساء يستعرض كل واحد منهم مهاراته وإبداعاته مع أبناء جنسه لا مع الجنس الآخر. أما البطولات المسماة زورا حداثية فإنها لا تعدو كونها استلابا سببه خواء في الهوية.

وللأسف الشديد أجدني مضطرا للتذكير بأن مدينة الرشيدية هي من المدن المغربية التي تميزت ولا تزال بطابعها المحافظ بشكل عام. وسكان المدينة -لمن لا  يعرفونهم جيدا- لا يحسون بالخجل من محافظتهم هذه بل ويتجاوزن عدم الخجل منها إلى الاعتزاز بها وهم مستعدون للدفاع عنها أمام كل من سولت له نفسه النيل من  هويتها الثقافية والحضارية الضاربة في عمق التاريخ.

وحتى أكون دقيقا أكثر فيجب أن أقول إن هذه الهوية الحضارية التي أتحدث عنها إنما أقصد بها ذلك الخيط الناظم الذي حفظ للمغرب أصالته رغم وجود أنماط  ثقافية مختلفة ما كانت لتتعايش من دونه على الإطلاق؛ وكلنا يعلم أن التنوع الثقافي  إن لم يكن له خيط ناظم فلا محالة آيل للمواجهة العنيفة والدخول في معارك وحروب استئصالية وجودية يكون المنتصر فيها مهزوما! (ومن يلاحظ جيدا سيدرك أن كثيرا من أتباع الحركة الثقافية الأمازيغية اليوم لم يصبحوا استئصاليين إلا بعد أن أدرك بعض دعاتهم وقادتهم أن المدخل لهذا هو فك الارتباط -ولو تعسفا- بين الثقافة الأمازيغية والدين الإسلامي وعلمنة المراهقين الأتباع في الجامعات المغربية!!! وقد نجحوا فعلا!) وهذا الخيط الناظم لم يكن إلا الدين الإسلامي الذي ارتضاه المغاربة بكافة أطيافهم دينا لهم اختاروه عن طواعية وتبنوه ودافعوا عنه واسترخصوا في سبيله أرواحهم وأولادهم وأموالهم  لأنه جرى في عروقهم مجرى الدماء بعدما حقق لهم أرفع مستويات الأمن ألا وهو الأمن الروحي! ولمن يحب الإحصائيات فقد أكدت إحصائيات الموقع الرسمي "لنناقش تعديل الدستور" أن أغلبية المغاربة اليوم راضون عن بقاء الإسلام دينا رسميا للدولة بعدما زاره أكثر من خمسة وثمانين ألف زائر!

يبدو أننا محتاجون اليوم إلى هيئات أخرى شبابية جديدة تدافع عن الإرث الثقافي المحلي قبل أن يطاله الهدم بيد أبنائه المستلبين والمنبهرين بالدعاية الغربية بعد أن لم يجدوا من يرسخ فيهم حب الذات والاعتزاز بها. وهذا المطلب يبدو أكثر إلحاحا في ظل غياب أي احتجاج أيا كان نوعه من طرف أي حركة إسلامية محلية التي لم تصدر ولو بيانا تنديديا يعبر عن أضعف الإيمان!

وأبشر من حكموا على هذا الكلام الذي قلته بالمبالغة والتضخيم أنهم إن رضوا ودافعوا عن مثل هذا المنكر فإنه لا محالة آت يوم تقوم جمعية أخرى في لتنظم مهرجانا وطنيا أياما بعد تأسيسها في فن التدليك!!! وسيقوم أبناؤنا بتدليك أجساد بناتنا أمام الأنظار. وإن غدا لناظره قريب!

 

Publié dans رأي

Pour être informé des derniers articles, inscrivez vous :
Commenter cet article